أبو علي حسن/جورج حبش – الحكيم – رجل المواقف
مقالات
2019-01-27

جورج حبش – الحكيم – رجل المواقف
مقال لعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطينالرفيق ابو علي حسن:
في ذكراه....نستحضر تاريخ الرجل الممتلئ بكل ما هو انساني وأخلاقي ووطني وعروبي وثوري...
نستحضر بداياته ومساراته ....وخواتيم حياته...نستحضر بداياته وهو يسير على منعرجات الثورة والثوار...وهو يتنقل من مكان الى مكان ينقل معه فكرة "الثورة مستمرة" ويتابع مشوار نضاله الطويل, حاملاً معه إيمانه الراسخ والقوي بعدالة قضيته..وحتمية الانتصار..وعلى كتفه الآخر ذلك الحلم المتوهج الذي أثقل كاهله دون أن يكسره أو يفت من عضده...أو يثلم سيفه الثوري...
لم يكن ثائراً عادياً..أو ملحقاً بالثوار, بل كان مؤسساً لفكرة الثورة...وملهماً للثوار...ولم يكن ثورياً بالاسم أو الصورة...بل كان أديم الثورة في كل مراحلها, ضميرها الحي... يضفي اللون الثوري على الآخرين... يشحذ همم المناضلين...يفتح طريقاً مقفلاً... معبدة بفكرة...ومواقفه...وشجاعته وإيمانه...
كان يحمل كشافاً ينير ظلمة الطريق يوم أن بدأت الكبوات والتراجعات متسلحاً بمقولة الإمام علي "لا تستوحشوا الطريق لقلة السائرين فيه" كان يحمل شعلة الأمل بما يكفي لإنارة ذلك الدرب الطويل الطويل "الاستراتيجي" في حين أن هناك من حمل شمعة لا تضئ إلا مساحة ظله...
كان ثاقب النظر...في رؤيته الاستراتيجية لمسار الثورة والتحرير فأبى أن يلتحق بركب المهرولين والمراهنين على السراب...وراهن بعضنا على السراب ..بيد أنه استشرف المأساة فقال : (لنرى...لنرى....لنرى...أياماً قادمة...إياكم أن تخطئوا في قراءة ميزان القوى ....فما بين أيدينا ليس إلا كمشة سراب...سراب)..
هل نعتذر لك اليوم...؟؟
في ذكراه...نستحضر كل ما هو جميل في حياة هذا الثائر..مواقفه...عناده الثوري...جلَِده...وحيويته... مثابرته على معرفة وتتبع كل شئ محيط بالنضال اليومي..
نستحضر رزنامة عمله اليومي...ساعةً بساعة..آليات عمله...نظاميته...ثمة نظام صارم يحرك هذا الثوري...
نستحضر سجاياه الشخصية...هدوئه المميز والمحير...تواضعه الآسر...استقباله الحسن لكل المراجع...ابتسامته الهادئة المريحة...
نستحضر كاريزما القائد...ومقوماتها الشخصية والقيادية والثورية والسياسية...مهاراته أمام الجمهور...قدراته في جذب الآخر لسماعه...ديمقراطيته في سماع وتفهم الرأي الآخر رغم الخلاف معه...
نستحضر إنسانيته..ومسحة الحزن والتأثر في المواقف الإنسانية...وعدم قدرته على تمالك مشاعره إلا بذرف الدمعه الساخنة على وجنتيه...
نستحضر لحظات الغضب...غضب الثائر...حين يسيطر على محياه...يوقف الاجتماع...يخرج...يعود يتابع الاجتماع...ثمة حكمة في ترك الاجتماع والمكان...حكمة إيقاف إيقاع الغضب...
نستحضر لحظات الألم والحزن..وهو مسجى على تابوت الرحيل الأبدي...متورد الوجه...مغمض العينين...أنيق الملبس...يرحل بوسامته المعهودة...
ويعود إليه هدوئه للمرة الأخيرة...لحظات خيم فيها الحزن والألم..تصرخ ليلى خالد...يضجّ المكان...لمن تتركنا يا حكيم..؟؟ ليس المهم يا ليلى لمن يتركنا..المهم ماذا ترك لنا؟؟ ترك لنا الكثير...الكثير...من القيم والمبادئ ونواميس العمل الثوري...
نحمل نعشه... نبكي... نصرخ...نهتف...نذرف الدموع...الطبيعة تشاركنا دموعنا...تهطل الأمطار بغزارة...وعيون الرجال الكبار والمودعين تذرف أيضاً الدموع...وتتشابك أيديهم معاً كما لو أنهم يصدُقون الحكيم في القول "الوحدة...الوحدة".
نستذكر كل تلك اللحظات الأخيرة...ذلك اليوم الماطر المثلج...تلك القافلة الطويلة على مسافة عشرين كيلو من السيارات...وتلك أعلام الجبهة الشعبية التي ترفرف من نوافذ السيارات السائرة وسط الأمطار الغزيرة...نحو مكان الخلود...أعلام الجبهة الشعبية تعود إلى الأردن بعد غياب ربع قرن من الغياب...تتجدد الذكريات...ويتلاقى كل رفاق الأمس ورفاق التجربة في خيمة الوداع...أجيال متعاقبة تودع ذلك الإنسان...الثوري...
ويقف الرفيق شربل...على زاوية القبر...يهتف...عاشت فلسطين...عاشت فلسطين...يردد المودعون هتافاً لطالما أحبه الحكيم وأنعش قلبه.
..وداعاً أيها الحكيم الممتلئ حباً وعشقاً بما آمنت به..