نصار ابراهيم/التنظيمات الفلسطينية: انتخابات - استقالات- فَصل- تَشَقُقات- تمرّد - حَرَد!
مقالات
2021-03-12

منذ إصدار مرسوم إجراء الانتخابات التشريعية في أيار القادم، والقوى والأحزاب السياسية الفلسطينية تتحرك وكأنها ترقص على صفيح ساخن.
المشكلة أن هذه الانتخابات التي تم الترويج لها باعتبارها الحل السحري لإنهاء الانقسام الفلسطيني والاتفاق على برنامج واستراتيجية وطنية موحدة في مواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، يبدو أنها بدلا من ذلك، أطلقت عفاريت التناقضات والصراعات وتصفية الحسابات داخل كل تنظيم فلسطيني على حدة، الأمر الذي عبر عن نفسه على شكل: استقالات حزبية – قرارات فصل- تشققات- تمرّد- حَرَدْ – واتهامات.
هذا الواقع يشير إلى جملة من النقاط:
• يخطئ تماما من يعتقد أو يتوهم أن الخروج من الأزمة الفلسطينية القائمة، على المستويين الوطني والحزبي الداخلي، يكون بالانتخابات التشريعية. مجابهة تلك الأزمة من حيث أسبابها وأبعادها وطنيا أو حزبيا، خاصة بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي لا يزال يرزح تحت قهر الاحتلال، يتقدم كثيرا على استحقاق الانتخابات، ذلك أنه من الضروري عدم الخلط بين وظيفة ومهمة الانتخابات التشريعية في مجتمعات مستقلة وحرة، وانتخابات تشريعية محكومة أصلا من حيث الصلاحيات والوظيفة باتفاقيات أوسلو المختلة لغير صالح الشعب الفلسطيني على أكثر من مستوى وصعيد.
• أدى التركيز على الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس على خطورته، إلى حالة من البلادة على صعيد التنظيمات الفلسطينية، التي راحت تعظ وتنصح لإنهاء الانقسام، لكنها نسيت أنها هي ذاتها أيضا تعيش أزمة وتناقضات تحتاج لفعل وشجاعة لترميم وتجديد ذاتها وبناها وبرامجها ومقارباتها، لكنها للأسف لم تقم بأية مبادرة على هذا الصعيد.
ترتب على هذا الاختلال والإخفاق الخطير الاستهانة بديناميات الواقع الفلسطيني وما ارتبط به من تحولات عميقة (سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا) تفرض على كل تنظيم فلسطيني التغيير والتجديد الداخلي بصورة مستمرة، وليس التعامل وكأن انضباط والتزام القواعد الحزبية والجماهيرية تحصيل حاصل.
• منذ أن تم الإعلان عن الانتخابات التشريعية لاحظ الجميع مستوى انخراط القوى السياسية الفلسطينية العالي في تلك الحوارات الوطنية الجماعية والثنائية. مقابل ذلك لاحظنا تدني مستوى التفاعل والحوار الداخلي إلى حد الإهمال (سواء المسموع أو المكتوب) مع قواعد تلك التنظيمات، الأمر الذي شكل استفزازا لها، فيما الطبيعي والمنطقي والواجب على القيادات التنظيمية أمام مثل هكذا محطات واستحقاقات هو تكثيف الحوار والتفاعل والتوضيح والتوعية، ووضع القواعد التنظيمية في تفاصيل الخيارات المطروحة بما لها وما عليها. وبعد ذلك يتم اتخاذا القرار.
• يخطئ من يعتقد أن تشكيل قوائم انتخابية منافسة للتنظيم الأم أيا كان، هو الحل للأزمة الراهنة، هذا تبسيط للتناقضات، وكأن مجرد خوض الانتخابات وفوز قائمة ما يعني أن الأمور ستكون على أحسن ما يرام، هنا يجب التذكير:
- انتخابات المجلس التشريعي محكومة بمرجعيتها القانونية الدولية ، أي إتفاقيات أوسلو، فكيف ستتصرف أي قائمة أو تيار تجاه هذا الأمر، الذي يعتبر أحد الأسباب الكبرى للأزمة.
- مواجهة الأزمات داخل أي تنظيم فلسطيني لا تتم هكذا وكيفما اتفق، فلماذا لم تتحرك تلك القيادات والكوادر والأعضاء الذين يتبنون التغيير والتصحيح منذ زمن لتشكيل رأي عام ضاغط داخل التنظيم لفرض التغيير والتصحيح؟ هذا يعني أنه ليس طبيعيا أو منطقيا أن ينام قائد أو جماعة أو تيار داخل حزب ما دهرا ثم يستيقظ ليقول لنا أن الحل بسيط: سنشكل قائمة ونخوض الإنتخابات التشريعية. ألا يعني هذا السلوك الترويج لوهم التغيير من خلال تحميل الانتخابات أكثر بكثير مما تحتمل؟.
- هذا يعني أن التغيير داخل أي تنظيم ليس مدخله الانتخابات التشريعية، وإنما النضال الداخلي المستمر سياسيا وثقافيا وفكريا وتنظيميا. فالانتخابات التشريعية (على فرض أنها حرة ومستقلة ونزيهة) وظيفتها مختلفة تماما عن اسئلة التجديد والتغيير الحزبي. عدم رؤية أو وعي هذه الحقيقة من قِبل أية جهة تنظيمية تخوض الانتخابات يشير إلى أن هدفها هو فقط المنافسة للوصول إلى ذات البنى المأزومة وبالتالي البقاء في ذات حقل الأزمة.
وبذات القدر فإن سياسة الفصل من التنظيم عندما يتعلق الأمر بمئات أو آلاف الكوادر والأعضاء ليس هو الحل المناسب لمواجهة الاستعصاءات والتناقضات الداخلية، بل الحوار وتفعيل الحياة التنظيمية والنقد بهدف الوصول لحلول تحافظ على وحدة وتماسك التنظيم على أساس برنامج وطني واضح ومقنع.
في النهاية، قد يكون ما أتمناه الآن ليس أن تأتي الإنتخابات التشريعية بحلول لأزماتنا القائمة، وإنما فقط أن لا تضيف إلى واقع حالنا انقسامات وتشققات وتشظيات جديدة، وأن لا تضع فوق رأس الشعب الفلسطين أثقالا و أحمالا إضافية. يعني كما يقول المأثور "بدل ما نكحلها.. نعميها".
راي الكاتب لا يعبر بالضرورة عن راي الموقع