ما أريده بسيط جدا... وطنٌ عاديّ...!- نصار إبراهيم
منظمة أشبال وزهرات الحكيم
2017-03-03

سئمت الوطن المجازي... وطن الكناية والتشبيه.. أريد أن تستعيد لغتي حريتها... لغة الطفولة... لكي أكون كما أنا.. لا أكثر ولا أقل... وهذا لا يحدث إلا في وطن عادي.
لقد ذهبنا بعيدا حتى احتلت الرموز الوطن العادي... حتى أصبح بذاته رمزا... فلم يعد هو هو.. لقد أصبح بصورة ما وطنا افتراضيا أكثر مما هو طبيعي وواقعي... وكل ما هو افتراضي يصل في لحظة ما إلى الإنكسار... في لعبة مجاملة اللغة للوعي.. بما يشبه الغميضة... فيما الوطن العادي أبسط من ذلك بكثير بتفاصيله، بقدرته على التكامل مع دورة المواسم والفصول...
لا أريد وطنا يزهر فيه اللوز في الخريف... أو يتصرف النخيل فيه كنبات متسلق... أو أن يتطاول الزيتون كالسَّرْو ولكن بدون إيقاع الزيتون الأليف على المنحدرات المنسية... أريد وطنا طبيعيا تماما... تشرق فيه الشمس كعادتها... ويغمره البدر في منتصف كل شهر قمري... وطن تقف فيه قُبَّرة على ذروة شوكة برية وتمارس حياتها بدون اكتراث.
لقد أرهقني البحث عن المعنى في وطن مسكون بالخوف والجنود والبنادق، بالحواجز وتصاريح المرور... حتى أصبحت أغيِّر شكل ابتسامتي لتوافق آخر حاجز طارئ...
كل صباح أقف أمام خارطة الوطن ...أعدّ خطوط الطول والعرض.. خوفا من أن يكون الليل قد سرق بعضها فيغير الوطن ملامحه ... فلا يعود لي بحر ولا نهر ولا شواطئ ولا مدن كانت بالأمس لي... أخشى أن تتغير الخارطة بحيث لا أعود أعرف الطريق إلى التلال والسفوح والأزهار التي تنمو هناك بين مفاصل الأرض والصخور...
أرهقني البحث عني في مدن لم تعد تعرفني... فأصبحت مشغولا بالبحث عن ذاكرتي... نسيت اللحظة... تلاشى الوطن في زحمة الخوف من اغتيال الفرح العابر... لهذا صرت اختصر الوطن في أجنحة حمامة أو فراشة... أو زهرة لوز أو رمان...ألجأ للرمز والمجاز.... فأجعل من الوطن حقل قمح... أو مجرد صورة خيالية.. فيما هو اشمل من ذلك وأكثر بساطة.
كم هو متعب هذا الدوران في غابات المعاني المشتبكة... كم هو مرهق هذا الرحيل في الأمنيات لوطن أقف على ترابه... أحاول ان أقول هذا التراب لي دون أن أقصد شيئا آخر...
لقد ذهبنا بعيدا في لعبة الألغاز والمعنى الآخر حتى غادر الوطن طبيعته... فاصبح شبه وطن... وغادر الإنسان تلقائيته.. فأصبح شبه إنسان.
متى أتحرر من هذا الوطن الافتراضي... ليعود لي وطني العادي.. لأعود إنسانا عاديا أركض على مساحاته، بكامل حريتي، متى وكيف وأين أشاء... فهل هذا كثير!!