اليرموك في العيد الأول بعد التحرير
المخيمات
2018-06-17

هؤلاء السكّان السوريين والفلسطينيين الذين يصعب فصلهم عن بعضهم داخل مخيم اليرموك، على وجه الخصوص، بل يستحيل نظراً للتداخل والالتحام والنسب والقرابة بينهم، أمَّ العشرات منهم، صباح أول أيام عيد الفطر (يوم الجمعة 15 حزيران/يونيو)، مقابر الشهداء والموتى لزيارة الأضرحة حيث يعتبر هذا لسنوات طويلة خلت تقليداً ثابتاً دورياً، وبشكل خاص لفصائل وناشطي المقاومة وعائلات الشهداء.
ومنذ فجر الفطر، الذي فقد سعادته داخل المخيم، انطلق من مدخل اليرموك العشرات من المواطنين وأمهات الشهداء، سيراً على الأقدام لمسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات وهي المسافة بين أول اليرموك" حارة الفدائية" وآخره " مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية".
وتقع في مخيّم اليرموك مقبرتان، الأولى تسمى المقبرة القديمة وتقع عند نهاية حارة المغاربة، وهي أول مقبرة أنشئت في المخيم وتنقسم إلى شطرين،فمن جهة الشرق تقع مقبرة الشهداء ومن الغرب للوفيات المدنية، كما يقع في الأولى متحف يشرف عليه تاريخياً جيش التحرير الفلسطيني، والمقبرة الثانية هي ما تسمى "المقبرة الجديدة"، وأنشئت بداية الثمانينات من القرن الماضي بعد شراء الأراضي من قبل التجار من أبناء المخيم ومنظمة التحرير.
في المقبرة القديمة نصب كبير لخريطة فلسطين وعلميْ سوريا وفلسطين. وتحتوي على أضرحة غالبية قادة الثورة الكبار، كخليل الوزير، وأبو العباس، وعبد المحسن أبو ميزر، وزهير محسن وأحمد ليلى أبو الليل،ومصباح البديري، وطلعت يعقوب، وغيرهم. وفي المقبرة الجديدة يرقد قادة شهداء مثل فتحي الشقاقي وجهاد جبريل والعشرات إلى جانب مئات المتوفين العاديين من سكّان المخيم.
هؤلاء الشهداء وكامل القبور والأضرحة في المقبرتين القديمة والجديدة سويت بالأرض بشكل واضح ممنهج متعمد؛العديد من القبور نُبشت ونُكل بعظام ساكنيها ومُثل بهم، وبعضهم كما في الصورة التي التقطناها تم رمي العظام على جانب القبر، وفوق أحد القبور في المقبرة القديمة تم استخراج الجمجمة ووضعها بشكل استفزازي وبصورةٍ حاقدة، فوق القبر المهدم، وبصورة تتنافى مع التعاليم الدينية والقيم الإنسانية.
الشواهد محطمة بشكل كلي، الحجارة في كل مكان تحت قدميك وأنت تسير، آثار حفر مريب، وقد ضاعت القبور ولم يعد يعرف أيٍ شخصٍ أين يقع قبر قريبه. تبكي سيّدة سبعينية، سألها مراسل "بوابة الهدف"، فأجابت" ابني استشهد في لبنان بالثمانينات، ظليت أزوره كل أسبوع، وضل عايش بس إسا" الآن بس بعتبرو " مات"!!!
عدد الزائرين في العيد الأول بعد خلاص اليرموك من الجماعات الإرهابية لا يشكل نسبة 1 % مما كان عليه عددهم قبل الأزمة والحرب، حيث كان بمثابة عرس وطني عارم تشهده المقابر كل عام، والسبب في نقص العدد هذا العام يعود لابتعاد الآلاف جغرافيًا عن المخيم، داخل وخارج البلاد، وصعوبة التنقل والدمار والركام الذي حل، والعامل النفسي وعلم الجميع من خلال الوسائل الإعلامية بتدمير القبور فأحجموا عن ذلك لعوامل نفسية وشعور بالإحباط والسخط وتفادياً للألم.
حضر بعض قادة الفصائل الفلسطينية إلى المخيم، لكن رغم ذلك الحضور كان قليلًا، خجولاً منكسراً. وحضر أيضًا بعض الفنانين والمثقفين والإعلاميين بشكل ضئيل أيضًا.
ولا يتعدى عدد زوار المقبرة في المخيم 500 شخص، طوال يوم العيد الأوّل بعد تحرر المخيم، بينما كان قبل الحرب يتوافد مئات الآلاف، ولا يُلاحظ باقتي زهور خضراء يحملها شاب وكهل خلال ساعات، وخمسة أكاليل ورد فقط لا غير حملها عناصر من فصائل المقاومة وناشطون وكانت تُعد بالآلاف قبل نكبة اليرموك.
نساء يبكين على الطريق أثناء سيرهن، ناظرات إلى الشوارع المدمرة، كهول يجلسون على الركام، وسيدة حملت صورة زوجها الشهيد ونسخة من القرآن لكنها مع وصولها المقبرة لم تجد قبر زوجها.
نفّذ تنظيم داعش وغيره من المسلحّون رغبة و حلم مجرمي الصهيونيّة من غولدا مائير إلى بيغن إلى شارون؛ فلم يسلم الشهداء والمتوفين من دفع الفاتورة، وهذه كانت الإجابة العامة بعدما سأل "مراسل الهدف"، العديد عن آرائهم فيما جرى، وتقييم المشهد المأساوي.
فتاة في الثلاثينات صرخت بأعلى صوتها قرب ضريح فتحي الشقاقي المدمر: " ارتاح ياشارون الكلب هاي شيوخ الإسلام العرب عملوا اللي كان نفسك فيه وما قدرتش عليه".
فنان تشكيلي في المكان وصف المشهد قائلًا "هي اوديسا فلسطينية جديدة". القادة والكوادر الفصائلية رفضوا التعليق، والجميع بلا استثناء كان يقطراً ألماً وأسى؛ فالكلمات والتقارير لن تكفي لوصف الجريمة التي انتشرت برائحةٍصهيونيّة، ربما تستطيع الصور ذلك، أو تساعد!