توضيح صادر عن هيئة تحرير مجلة الهدف
الفلسطينية
2020-11-20

إن مناقشتنا لهذا النص تأخذ قيمتها الأساسية، مما استجد من استمرار قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية، في مراهنتها على الوعود الوهمية الأمريكية - الصهيونية، وتمسكها بنهج التسوية والمفاوضات بكل نتائجه الكارثية التي وصلنا إليها وطنيًا واجتماعيًا، وبما يؤكد ضرب هذه القيادة لكل الجهود الحقيقية والمخلصة لإنهاء الانقسام وإنجاز وحدة وطنية على أساس رؤية واستراتيجية وطنية شاملة، وبرنامج سياسي مقاوم لإنجاز حقوقنا الوطنية التاريخية والثابتة في أرض وطننا الفلسطيني من بحرها إلى نهرها، وعليه نورد التوضيح التالي:
إننا من موقعنا الوطني ودورنا الاجتماعي النهضوي في مجلة الهدف، وكجهة إعلامية وطنية تقدمية، تتبنى شعار (كل الحقيقة للجماهير) الذي يتصدر رأس صفحتها الأولى، منحازون تمامًا إلى شعبنا وقضيتنا وحقوقنا الوطنية التي تتعرض لمشروع تصفية أمريكي – صهيوني – عربي رجعي فعليًا، وهذا ما يجعل من المراجعة النقدية الجريئة والجادة؛ ضرورة وطنية ملحة لا تحتمل التأجيل وأساس لأي عملية نهوض ومجابهة ومقاومة ووحدة وصمود وتحرير. ودعوة الهدف المتكررة للمراجعة النقدية لا تُؤخذ عليها، أو أن توصف بقفزات سياسية رجراجة! لأن لا تصحيح لأي مسار خطأ أو الخروج من الأزمة الوطنية العامة، دون هذه المراجعة التي يجب أن تكون وطنية وشاملة؛ تبادر لها كل قوى وأحزاب ومؤسسات وفعاليات شعبنا الوطنية والاجتماعية التي تدرك وتعي أننا نواجه معركة مصيرية ووجودية في آن، بهدف معالجة كل الثغرات والأخطاء والخطايا التي ارتكبت خلال مسيرة نضالنا الوطني، ولا تزال ترتكب، ووضع شعبنا وقضتيه التحررية في مسارها الوطني والقومي والأممي الإنساني الصحيح.
النقطة الأخرى، إن المعيب وموضع الاتهام، ليس المراجعة النقدية "التي قامت بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مؤتمرها السادس عام 2000؛ عبر وثائق علنية ومنشورة في حينه"، ومن ثم الدعوة المستمرة لوضع هذه المراجعة قيد الكل الوطني ودعوة الجميع لأن تكون مراجعة شاملة، ولكن موضع الاتهام هو الامتناع عن هذا وكيل التهم لمن يدعو إليه.
أخيرًا، كان وسيكون من دواعي سرور "الهدف" أن تنشر نقاشًا موضوعيًا هادئًا، وأي رد يلتزم بأصول العلاقات الرفاقية وأخلاق مهنة الصحافة ومخاطبة الجمهور واحترام عقله.
وكي يقف كل باحث ومهتم ومطالع على هدف توضيحنا؛ نعيد نشر مقالة الكاتب اسحق أبو الوليد.
(نص المقالة)
نقاش هادئ مع أصحاب مشروع إعلان "دولة تحت الاحتلال"
إسحق أبو الوليد
كاتب سياسي فلسطيني/ فنزويلا
"لم تشاطر الجبهة الشعبية يومًا اليمين الفلسطيني وبعض اليسار أوهامهم في إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية، تؤدي إلى انسحاب من الأراضي المحتلة وتأتي بدولة مستقلة" كحل للصراع التناحري مع العدو الصهيوني، لأن موازين القوى منذ بداية الصراع حتى الآن تميل لصالحهم بشكل كامل، وأن حرف الصراع عن استراتيجية التحرير، يساهم لا محالة في مزيد من الاخلال بميزان القوى، هذا بما يخدم استراتيجية العدو. لذا من يعتقد أن الأزمة التي تعصف بالحركة الوطنية الفلسطينية هي نتيجة فقط لاتفاقيات أوسلو، ليس مخطئًا فحسب، بل إما جاهل أو مضلل، لأن اتفاقيات أوسلو لم تأتِ من فراغ؛ اإها تتويج لمسار الانحرافات والأخطاء والأزمات منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بعد هزيمة 1967، هي أيضًا تدشين للمرحلة الحالية التي تشهد تعمًق وتعفن الأزمة السياسية والوطنية. بمعنى أن هنالك امتداد تاريخي للأزمة، لمرحلتين متداخلتين تتحمل مسؤوليتها ذات القيادة البرجوازية اليمينية التي هيمنت على الحركة الوطنية واختطفتها وفرضت برامجها وأشخاصها عليها. هذا التداخل يحتم على القيادات الوطنية بكل تياراتها إجراء مراجعة شاملة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية حتى الآن، ونبذ كل ما أثبتت الحياة والتجربة أنه خاطئ، وتجديد وإضافة ما تحتاجه وتطلبه المرحلة الجديدة.
فعلى الرغم أن من صنع هذه الحقبة الأهم من تاريخ شعبنا هي الجماهير الشعبية التي قدمت، وما زالت تقدم، التضحيات بكل أشكالها، والتي رفعت من شأن قضيتها وفرضتها على أجندات وسياسات وبرامج الأعداء وفي مقدمتهم العدو الصهيوني، وعززت بانتفاضتها المجيدة الأولى الأمل والقناعات بجدوى النضال من أجل التحرير وإمكانية تحقيق تعديل في موازين القوى تسمح بإلحاق الهزيمة بالعدو؛ إلا إنه كما في ثورة 1936، خذلت القيادة الحركة الجماهيرية وخانت أهدافها، ولكن هذه المرة، تجرأت "القيادة" الحالية على اقتراف المحرمات دون رادع شعبي أو سياسي، أي الاعتراف بشرعية كيان العدو على أرضنا الوطنية، كثمن للوهم المتأصل بقيام "الدولة" العتيدة. ولتبرير سياساتها وارتمائها في احضان العدو، تدعي أنها تنفذ قرارات الإجماع الوطني للمجالس الوطنية، وخاصة قرار "إعلان الاستقلال" الذي تم في الجزائر عام 1988، والذي بدوره استمد "شرعيته" من البرنامج المرحلي الذي طرحته الجبهة الديمقراطية في العام 1974 من القرن السابق، ورفض في حينه من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة" وغيرها بشكل مطلق. هذا البرنامج، منذ اليوم الأول لتبنيه؛ أصبح البرنامج الفعلي لقيادة حركة "فتح" والمرشد لكل تحركاتها وعلاقاتها السياسية وبوصلة الانحراف عن النضال من أجل التحرير الكامل التراب الوطني الذي قاد إلى الخيانة العظمى.
الرفاق في الجبهة الديمقراطية لم يتعظوا ولم يراجعوا تلك المرحلة وبرنامجها، بل تواصلوا معها سلبًا وطرحوا في مؤتمرهم الوطني الرابع الذي عقد بين الفترة من 24 نيسان إلى 8 أيار مبادرة تحت عنوان "بسط سيادة دولة فلسطين على الأراضي المحتلة بعدوان حزيران 1967"، ولأهمية وخطورة ما جاء في مقدمتها سأنقلها حرفيًا كي يكون النقاش موضوعيًا مع فصيل فلسطيني يعتبر نفسه "اليسار الثوري الماركسي ـ ال لينين ي" وصاحب المواقف "الواقعية الثورية"، تَشارك مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسكين في أكثر من تجربة، تارة وحدوية وأخرى تحالفية، وكلاها لم يجد طريقه للنجاح، مما طرح ويطرح الأسئلة عن السبب ومسؤولية كل طرف عن ذلك، حيث لا أعفي "الشعبية" من مسؤولياتها في هذا الموضوع، وعليها أن تستخلص منها العبر بما يسمح بتخلص اليسار من أخطائه وأمراضه. أما بخصوص النص في مبادرة "الديمقراطية" السالف الذكر، فيقول: "في 15 أيار تحل الذكرى الخمسون للنكبة، حيث أقيمت دولة إسرائيل على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية، بينما عطلت ظروف ذاتية فلسطينية وإسرائيلية توسعية وإقليمية عربية ودولية تنفيذ الشق الآخر من القرار الدولي رقم 181 الخاص بإقامة الدولة العربية الفلسطينية، وترتب على ذلك تعطيل السيادة الوطنية وتشريد غالبية شعبنا وتبديد كيانه الوطني"، هذا ما جاء نصًا في المبادرة المؤتمر الوطني الرابع للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وفي مكان أخر من نفس المبادرة تعتبر أن بسط السيادة: "يعني تمكين الدولة الفتية من ممارسة سيادتها المعطلة منذ أن أعاقت الظروف الإقليمية والدولية تطبيق الشق الثاني من القرار الدولي رقم 181 لعام 1947" وفي القسم "د" من البند الرابع، تطالب ب الاعتراف "بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بما يعني الاستقلال والسيادة الكاملة على أرضه الوطنية في الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس، وقطاع غزة".
سأكتفي بهذه الاقتباسات المفصلية لأهميتها في الاستراتيجية الفلسطينية، أما المسائل التحليلية للأوضاع السياسية في المبادرة والتي تبالغ في الرهان على الموقفين العربي الرسمي والأوروبي وخاصة الفرنسي، بالضغط على الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، تعبر بلا شك عن خلل فكري، وليس سياسي فقط؛ عن أية "ظروف ذاتية فلسطينية" تتحدث المبادرة؟ لقد رُفض قرار التقسيم فلسطينيًا وعربيًا في حينه، ولم يتجرأ حتى عملاء الاستعمار البريطاني على تلبية رغبات أسيادهم، وكان هذا الموقف الوطني والقومي السليم، وهل رفض قرار التقسيم فلسطينيًا يعتبر جزءًا من أدوات التعطيل "لإقامة الدولة الفلسطينية" وبالتالي تعطيل "السيادة الوطنية"، مما أدى إلى "تشريد غالبية شعبنا" وبالتالي يقع جزء من المسؤولية عن النكبة على عاتق الفلسطينيين أنفسهم؛ بسبب عدم قبولهم بالتقسيم كما تدعي الحركة الصهيونية؟!
إن المسؤول الأول والأخير، أيها الرفاق عن النكبة وتشريد شعبنا هو قيام الكيان الصهيوني الفاشي العنصري الذي مارس سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية، وإذا هنالك من "مسؤولية فلسطينية" فإنها تتمثل في مواقف القيادات الإقطاعية الفلسطينية ورهانها على "نزاهة الوسيط الانجليزي"، كما هو حال قيادة اليوم، والتي رغم انحطاطها لم تتجرأ ان تقبل بالتقسيم أو تعترف بكيان العدو، وقد أثبتت الوقائع أنه حتى لو قبل الفلسطينيون بالتقسيم لما قامت "الدولة" ليس فقط بسبب الفيتو الصهيوني، بل والإمبريالي أيضًا، وهذا من أثبتته تجربة أوسلو، حيث ربحت "إسرائيل" الاعتراف في أوسلو وخسرنا كل شيء، أليس كذلك؟ وهل حقًا نحن أمام "سيادة معطلة"؟ أم وطن مسلوب وبالتالي سيادة مسلوبة؟ ألا تضخ هذه التحليلات والاستنتاجات الدم في شرايين اليمين وتشجعه على الاستمرار في سياساته الانهزامية والاستسلامية؟
إن تبني فصيل فلسطيني "ماركسي ـ لينيني" لهذا الاستنتاج بعد مرور أكثر من خمسون عامًا من النكبة، يحتاج إلى مراجعة ونقد ذاتي وتقديم إعتذار للشعب، وخاصة لأهلنا في مخيمات اللجوء والشتات. أما شعار "حق تقرير المصير".. نعم هو حق للشعوب المستعمرة في نضالها من أجل الاستقلال والسيادة في وطنها، وعليه بشكل كامل وغير منقوص، ونحن الفلسطينيون أيضًا لنا الحق في تقرير المصير، ولكن ليس في الضفة والقطاع و القدس كما تنص الوثيقه، بل في كل فلسطين وعلى كل فلسطين ولكل الفلسطينيين، مما يشترط إنجاز حق العودة وتحقيق التحرير وازالة الكيان الصهيوني ومؤسساته وأيديولوجيته الفاشية العنصرية، بدون ذلك يصبح الحديث عن "حق تقرير المصير"؛ هراء وتنظير ذاتي يضر بالضرورة التاريخية.
إن القبول بحق تقرير المصير على جزء من الوطن يعني التنازل عن الجزء الآخر، أي الأرض التي يقيم عليها العدو "دولته اليهودية"، والتي يحق فيها لليهود فقط "حق تقرير المصير"، حسب قانون "القوميه" الصهيوني الفاشي العنصري. إن ترافق هذه المواقف مع عدم رفض مبدأ المفاوضات مع العدو الصهيوني، على الأقل في ظل موازين القوى القائمة، واعتبار أن المشكلة تكمن في نهج المفاوضات ومرجعياتها، وفي نوعية وإمكانيات الطاقم المفاوض، وهذا ينطبق على كل من يروج لهذه المواقف، يشجع القيادة اليمينية على المضي في سياساتها ونهجها وتجد مبرراتها، إذا اقتضى الأمر، في برامج وسياسات غيرها، وخاصة ممن يدعون رفضهم لسياسات ونهج اليمين، حيث في كل مرحله يعرقل فيها العدو الصهيوني التسوية على الساحة الفلسطينية، ويضعها أمام طريق مسدود؛ بسبب تبديل الأولويات والخيارات التي تفرضها التطورات الإقليمية والدولية، وبسبب إمساكه شبه المطلق بخيوط "اللعبة" المسماة، التسوية السياسية للنزاع في الشرق الأوسط؛ يطفوا على السطح خيار "انتزاع قرار أممي بإعلان الأراضي المحتلة منذ العام 1967 دوله تحت الاحتلال" كي تتم مطالبة الأمم المتحدة "بالضغط على إسرائيل للجلاء عن أراضي هذه الدولة"، كما يقول عجوز المقاطعة محمود عباس ، وكأن المشكلة تكمن في شكل الحل، وليس قي طبيعة الحل المرتبط بموازين القوى التي تميل لصالح العدو الصهيوني وحلفائه. إن التراكم النضالي وميزان القوى الذي تحتاجونه أيها السادة لإقامة "دولتكم العتيدة"، هو نفسه الذي يحتاجه شعبنا من أجل التحرير، لذلك إن لم تغادروا من هذا العالم الوهمي إلى عالم الحقيقة، بكل اشكالياته وتعقيداته، ستبقى برامجكم وسياساتكم تشكل عبأ على نضالات شعبنا وتطيل طريق التحرير والمعاناة.
بلا شك، جاء التبني المبكر لمنظمة التحرير لما سًمي "بالبرنامج المرحلي"، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، بداية الاستعداد للتخلي عن برنامج التحرير لكامل فلسطين لصالح "النضال من أجل إقامة الدولة المستقلة على الاراضي المحتلة منذ العام 1967"، على أثر ذلك أخذت القيادة اليمينية البرجوازية للمنظمة على عاتقها القيام بكافة الإجراءات اللازمة التي تساعد وتساهم في تحقيق هذا الهدف الذي تم اعتماده وتكريسه، في وقت لاحق، كهدف استراتيجي، شكل الأرضية؛ من أجل انخراط القيادة الفلسطينية اليمينية بشكل مباشر ورسمي في مسيرة التسوية السياسية التي تم التمهيد لها قبل ذلك بسنوات، هكذا تم تقديم مهمة إقامة "الدولة" على استراتيجية النضال من أجل التحرير، أي تم وضع "العربة أمام الحصان"، هذا "الحصان" الذي أُضُعف وبات هزيلًا لا يقوى على حمل نفسه، على أيدي الذين ما زالوا يعتقدون أن "السلحفاء" أقوى على جر العربة من الحصان، وأنها ستأتي بها من عمق سراب الصحراء.