فتح وحماس: لقد هَرِمْنا يا أخوة التراب... فتوقفوا!
مقالات
2019-01-09

بصراحة... لم تعد تقنعني أنا الفلسطين المثقل بألف هم وقيد، بعد كل هذه السنين من الانقسام، لا "غطرسة" حماس وتبريراتها، ولا "غطرسة" فتح وتبريراتها... دون التقليل من احترام كل منهما... كما لم يعد يهمني بعد كل هذه السنين كيف ولماذا ومن بدأ ما بدأ.. ما يشغل البال الجمعي الآن هو: أي أثمان باهظة تلك التي دفعها ولا يزال يدفعها الشعب الفلسطيني جراء هذا الواقع المؤلم... والأهم كيف نعود لفكرة الوطن الأولى .. فكرة فلسطين الجامعة!؟.
"لقد هرمنا" يا أخوة التراب ونحن نسمع ذات الحكاية وذات الاتهامات وذات التبريرات منذ عام 2007.. وحتى الآن... نعم "لقد هرمنا"...فبعض شهداء فلسطين اليوم هم من الجيل الذي ولد يوم بدأ الانقسام ... أما آن لكم أن تنتبهوا وتتوقفوا!.. ألا ترون أبعد قليلا مما ترون!؟ ألا يستحق هذا الشعب بعض الأحترام...!؟.
أقول لكم: لم يعد السؤال اليوم هو: على من الحق... ذلك لأننا لو لحقنا غواية هذا السؤال لما وقف الأمر عند عام 2007... بل سيأخذنا لما هو أبعد بكثير... إلى خمسة وعشرين عاما ربما.. وربما إلى خمسين عاما... أو ربما....إلى قرن...
لقد تجاوز ألم الفلسطينيين وقهرهم وقرفهم مما يحدث كل حد، ومع ذلك لا يلفت هذا الأمر اهتمام القوى الفلسطينية المتصارعة على الدب قبل صيده... ذلك لأن الكل يبرر خياراته وما يقوم به انطلاقا من بديهة أنه الوحيد الذي يفهم ويعبر عن أعماق هذا الفلسطيني المقهور.
لقد تجاوزت الخلافات بين حركتي فتح وحماس معظم خطوط ونواظم قضية الفلسطيني العادي وخطوطه الحمراء كما يقال، فراح كل طرف يتصرف وكأنه الصح المطلق فيما الآخر شرٌّ مطلق، وصولا إلى التسخيف والتخوين بما يجعل أي حديث عن المصالحة في ظل هذا الواقع المحزن أكثر سخفا...
الأخطر في هذه السجالات أنها تتجاهل بوعي أو عن عمد الأسس والنواظم التي من المفروض أن تضبط إيقاع التناقضات الداخلية بما لا يضر وحدة الشعب الفلسطيني وروحه المعنوية فيما هو يجالد ويقاوم الإحتلال من جانب، ويواجه ضغوطات الحياة ومتطلبات لقمة العيش من جانب آخر... الوصول إلى هذه الدرجة الخطرة يعني أن الاختلال قد ارتقى إلى مستوى التحريض والشحن والتحشيد المتبادل للقواعد التنظيمية والأنصار في الشارع بما يشبه دعوة للاقتتال... أو يمهد لذلك... وكأني بالجميع يخرج من فلسطينيته وينكص إلى مجرد فرد في قبيلة وينشد:
وما أنا إلا من غزيّةُ إن غَوَتْ.... غويتُ وإن تُرشَد غزيّةُ أُرشَدِ
المثير للأسى والسخرية في خضم هذه "المعمعة" أن كل طرف يتهم الآخر بأنه يمهد بسياساته ومواقفه وممارساته الطريق لتمرير صفقة القرن... حركة حماس تتهم حركة فتح بذلك، فترد فتح بقصف سياسي مضاد متهمة حركة حماس بذات التهمة... كل هذا فيما صاحب الطبعة الوحيدة لصفقة القرن، أي الولايات المتحدة الأمريكية، تتجاهل وتستهتر وتضحك من كل القوى الفلسطينية من أقصاها إلى أقصاها، فيما تواصل ميدانيا ترتيب الواقع والأوراق وحشد القوى العالمية والعربية التي ستشكل الحوامل لصفقة القرن رغما عن أنف كل الفلسطينيين المشغولين بالخلاف على"جرة سمن" صلاحيات السلطة المحدودة والمحاصرة سواء في الضفة أو في غزة.. بما يذكرنا بحكاية الراعي وجرة السمن الشهيرة، تقول الحكاية:
يُحكى أن راع جمع على مدار شهور سمنا ووضعه في جرة علقها في كوخه الفقير. وبينما هو ذات يوم جالس في كوخه عند غروب الشمس وهو متكىء على عصاه، أخذ يفكر بما يعمله في ما اجتمع عنده من السمن، فقال في نفسه :
اني ساذهب به غدا الى السوق وابيعه واشتري بثمنه نعجة حاملا ،فتضع لي نعجة اخرى ثم تكبر
وتلد لي مع امها نعاجا اخرى وهكذا الى ان يصير عندي قطيع كبير، ثم اتخذ اجيرا يرعى غنمي، ثم سأبني قصرا عظيما، وأتزوج، ويكون لي ولد، و متى كبر ولدي ساحضر له معلما يعلمه القراءة و الكتابة، وسآمره بطاعتي و احترامي، فان لم يفعل ضربته بهذه العصا.
و رفع يده بعصاه فأصابت الجرة فكسرتها و سقط السمن على رأسه و ثيابه...وطار السمن والقطيع والقصر والزوجة والولد...
الفكرة أن الخسائر الفادحة التي ترتبت على حالة الانقسام منذ عام 2007 وحتى اليوم، وما دار ويدور على هوامشها من احتراب واتهامات واعتقالات وتجاوزات هي خسائر كاملة للكل الفلسطيني، وأرباح صافية للاحتلال.
هذا الواقع يثير حالة يأس وإحباط غير مسبوقة في الشارع الفلسطيني المقاوم الذي يواصل التساؤل بقهر: على ماذا يختلف هؤلاء يا ترى والكل رأسه تحت المقصلة..!؟ أليسوا إخوة في التراب والدم والمعتقلات...!؟. فعلى ماذا يقتتلون ويشتم بعضهم بعضا وفلسطين كلها محتلة...!؟.
هذا الواقع يثير أيضا سؤالا محوريا يتجاوز طرفي الانقسام، وهو سؤال يتعلق بدور القوى الفلسطينية الأخرى، المقصود قوى اليسار الفلسطيني وحركة الجهاد الإسلامي وغيرها، التي غالبا ما تلازم خط النقد لحركتي فتح وحماس أو مناشدتهما لتجاوز حالة الانقسام.. فيما المطلوب التقدم خطوة عملية من موقع النقد والمناشدات نحو موقع أكثر حيوية وجدوى وفاعلية، اي المبادرة النشطة لتفعيل الشارع الفلسطيني في المدن والقرى والمخيمات والشتات لتشكيل قوة ضغط شعبية ميدانية إيجابية.. ربما تستطيع بذلك أن تعيد بعض الرشد والصواب لمن تجاوز أو تجاهل أو تناسى واقع الحال الفلسطيني ومحدداته الكبرى... ربما تعيد تذكيرهم بالبديهيات التي يجب أن تحكم سلوك ومواقف القوى السياسية لشعب لا يزال يقاوم من أجل حريته واستقلاله.