اتفاق فيلادلفيا المصري – الصهيوني سهل مهمة الكيان الصهيوني في إحكام الحصار على قطاع غزة
اتفاق فيلادلفيا المصري – الصهيوني سهل مهمة الكيان الصهيوني في إحكام الحصار على قطاع غزة
بقلم : عليان عليان
استشاطت الحكومة المصرية غضباً، من مرافعة محامي الكيان الصهيوني “كريستوفر ستاكر” أمام محكمة العدل الدولية ، في الثاني عشر من شهر يناير ( كانون ثاني) الجاري التي قال فيها “بأن القاهرة هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح ، وأن الوصول إلى قطاع غزة عبر معبر رفح تسيطر عليه مصر، وليس على (إسرائيل) أي التزام في ذلك بموجب القانون الدولي.
وجاء رد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء ضعيفاً ، في سياق الدفاع عن الدور الرسمي المصري ، ناهيك أن العديد من الشخصيات الوطنية والحزبية المصرية أبدت استهجانها من أن يصدر الرد من هيئة الاستعلامات ،وليس من وزارة الخارجية المخولة بالتعامل مع مثل هذه الاتهامات الخطيرة للدور المصري.
لن نتوقف أمام المبررات التي ساقها “ضياء رشوان” في الدفاع عن دور الحكومة المصرية في إيصال المساعدات لقطاع غزة ، والتي حمل فيها حكومة الكيان الصهيوني ، من واقع تصريحات أكثر من مسؤول فيه ، مسؤولية التأخير المتعمد في إيصال المساعدات لقطاع غزة، ولن نتوقف أمام كميات السلع والشاحنات المصرية التي أرسلت إلى القطاع، وأن الحكومة المصرية لتلافي تأخير المساعدات ، قامت بإرسال الشاحنات المصرية لمعبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية ليتم تفتيشها ، لتواصل سيرها باتجاه القطاع دون تفريغها في ناقلات فلسطينية أو ناقلات تابعة للأمم المتحدة .
ما تقدم كله ليس مربط الفرس بشأن محاصرة النظام المصري لقطاع غزة ، مربط الفرس يعود إلى الالتزامات التي كبلت مصر نفسها بها ، اتجاه قطاع غزة والأمة العربية جمعاء في المعاهدة التي وقعتها مع الكيان الصهيوني عام 1979 وجعلت منها أداة بيد أمريكا وحريصة كل الحرص على أمن الكيان الصهيوني ..هذا ( أولاً)، ( وثانياً) في الاتفاقية المشتقة منها الخاصة بمعبر رفح ، بعد انسحاب حكومة العدو بقيادة شارون من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات فيها ( وثالثا) بعد الاتفاق الذي وقعه نظام مبارك مع العدو الصهيوني والسلطة الفلسطينية ( اتفاق فيلادلفيا) بشأن المعبر والممر الواصل بين المعبر ومدينة رفح الفلسطينية ( ممر فيلادلفيا- صلاح الدين )، بعد سيطرة حركة حماس على مقاليد الحكم في قطاع غزة ،واستمرار النظام المصري الحالي الالتزام بها بمرجعية الشؤم ممثلة باتفاقيات كامب ديفيد للامعان في محاصرة حركة حماس وعموم فصائل المقاومة.
نقول ذلك وفي قلبنا غصة كبيرة ، ونحن نرى النظام في مصر يحاصر القطاع شأنه شأن الكيان الصهيوني، ونحن نراه منذ العدوان الصهيوني الأول عام 2008 – 2009 ، وعدوان 2012 ، وعدوان 2014 ، وصولاً لمعركة سيف القدس 2021 ومعركة وحدة الساحات (2022) ومعركة ثأر الأحرار ( مايو 2023) وصولاً لمعركة طوفان الأقصى ، يلعب دور الوسيط المنقذ للكيان من ضربات المقاومة .
وكان الأولى بالنظام أن يتحرر من هذه الاتفاقيات والالتزامات ، وأن يدخل معركة إسناد عسكرية لصالح قطاع غزة والمقاومة الباسلة ، وأن ينتصر لفلسطين وللأمة العربية كما كان الحال أيام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، الذي جعل من مصر إقليم قاعدة لحركة التحرر العربية ، ارتباطاً بالوشائج القومية التي تربط مصر العروبة بفلسطين ، وأن قطاع غزة وفلسطين جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري .
نعم كنا نتمنى ذلك ، ونتمنى أن تعود مصر لدورها القائد لحركة التحرر والنهوض العربي وليس دور التابع للولايات المتحدة ولمشيخات النفط ، لكننا نعلم أن هذا الدور ضرب بعد انقلاب السادات على نهج عبد الناصر عام 1971م ، وبعد تمسك الرئيس المخلوع حسني مبارك بنهج سلفه ، وتربع قوى الكومبرادور وسماسرة الانفتاح على دفة الحكم في مصر وبعد إفشال مفاعيل ثورة يناير المصرية عام 2011 والانقلاب على أهدافها ، وجراء تحويل الجيش المصري العظيم إلى جيش مقاولات وجيش برجوازية عسكرية.
ونعلم أن أنظمة كامب ديفيد في عناوينها المختلفة ، بما فيها العنوان الحالي ، رأت أن الوصول لقلب أمريكا- كما قال الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة الشؤون الخارجية الأسبق في مجلس الشعب المصري– يمر عبر تل أبيب.
وبخصوص المعبر ومحاصرة النظام المصري لقطاع غزة، نتوقف أمام محطتي اتفاق فيلادلفيا ،التي كشف النقاب عنها الكاتب الباحث العروبي المصري ” محمد سيف الدولة ” وذلك على النحو التالي :
1- اتفاقية فيلادلفيا 2005م
الحصار الذي تفرضه الادارة المصرية على غزة منذ عدة سنوات، مرجعه اتفاقية مصرية اسرائيلية تم توقيعها في اول سبتمبر 2005، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من قطاع غزة في عهد رئيس الوزراء الصهيوني أريل شارون ، والمعروفة باسم “اتفاقية فيلادلفيا”، وبموجبها انتقلت مسئولية تأمين الحدود مع غزة، وفقا للمعايير والاشتراطات الاسرائيلية، الى الحكومة المصرية، لتكبل مصر بالتزامات جديدة تجاه أمن (اسرائيل) تضاف الى حزمة الالتزامات المماثلة والقيود القاسية التي فرضت علي مصر في معاهدة السلام المصرية 1979 .
وجاءت الاتفاقية بعدما أقر الكنيسيت الإسرائيلي، في عام 2004، قرارا بسحب جميع القوات “الإسرائيلية” من قطاع غزة ،والذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس عام 2005 ومن ثم توقيع اتفاقية المعابر الفلسطينية الإسرائيلية ،إذ إنه ومن أجل ترتيب تواجد مصري لقوات حرس الحدود المصرية ، تم توقيع “اتفاقية فيلادلفيا” والتي تتماشي مع اتفاقية “المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية” التي تم التوقيع عليها في العام ذاته.
وأشارت الاتفاقية إلى أن معبر رفح سيتم تشغيله من قبل السلطة الفلسطينية من جانبها ومن قبل مصر من جانبها بحسب المعايير الدولية وتماشيا مع القوانين ، وأنه مخصص فقط لعبور حاملي بطاقة الهوية الفلسطينية، مع إشعار السلطات الإسرائيلية بشكل مسبق وأخذ موافقات من السلطات الفلسطينية، على أن تعمل السلطة الفلسطينية على منع عبور السلاح أو المواد المتفجرة، ومواصلة خدمات التنسيق الأمني.
وبموجب اتفاق فيلادلفيا قامت حكومة العدو بنقل سلطة الإشراف على محور صلاح الدين الذي يربط بين المعبر ومدينة رفح الفلسطينية، إلى السلطة الفلسطينية ومصر ومراقبين من الاتحاد الأوروبي ، وبإشراف أمني مصري.
فاتفاق فيلادلفيا في محصلته، هو برتوكول عسكري بالأساس ،ينص على ان تتولى قوة (إضافية) من حرس الحدود المصري القيام بمهام أمنية محددة في المنطقة على الحدود المصرية الغزاوية المعروفة باسم ممر فيلادلفيا ، وذلك لان اتفاقية السلام الموقعة عام 1979 منعت وجود أي قوات مسلحة مصرية، في المنطقة المتاخمة للحدود وعرضها حوالي 33 كم ، والتي أطلقوا عليها المنطقة (ج)، وسمحت فقط بوجود قوات من الشرطة المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة.
وتخضع القوة المصرية أيضاً ، لمراقبة القوات متعددة الجنسية الموجود في سيناء منذ اتفاقيات كامب ديفيد ، والتي تمارس مهامها تحت قيادة مدنية امريكية بنص الاتفاقية وتتحدد مهمتها في منع العمليات الارهابية ( عمليات المقاومة) ومنع التهريب عامة والسلاح والذخيرة على وجه الخصوص، وكذلك منع تسلل الافراد والقبض على المشبوهين واكتشاف الانفاق وكل ما من شانه تامين الحدود على الوجه الذي كانت تقوم به (اسرائيل) قبل انسحابها.
ورغم أن القوة الأمنية المصرية التي تتواجد في ممر فيلادلفيا،الممتد بين البحر الأحمر ومعبر كرم أبو سالم على مسافة (14) كيلومتر ، تقدم خدمة أمنية رئيسية للكيان الصهيوني، إلا أن حكومة العدو حددت عدد أفراد القوة الأمنية (750) جندياً( أربع سرايا) ورفضت الطلب المصري بأن يكون عددها (2500)،وحددت لها كم ونوع الأسلحة الخفيفة .
وكانت حكومة العدو ، قد صرحت اثناء مناقشة اتفاق فيلادلفيا في الكنيست ان المهمة المحددة والوحيدة للقوة المصرية هي تأمين الحدود على الوجه المنصوص عليه ، وسبق أن اصر الكيان الصهيوني على توصيف هذا الاتفاق بانه “ملحق امنى” للمعاهدة المصرية الإسرائيلية عام 1979، وانه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها، وذلك لما تضمنته المعاهدة الاصلية من اجراءات عقابية على مصر فيما لو أخلت بالتزاماتها.
2- اتفاق فيلادلفيا الجديد عام 2007
وهو امتداد في نصوصه للاتفاق السابق ، وتم توقيعه بين مصر والكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي في 16 يوليو 2007، بهدف إحكام الحصار على قطاع غزة وعلى حركة حماس ،التي تمكنت من بسط سيطرتها على القطاع عام 2007 ولمنع وصول الأسلحة إلى قطاع غزة .
وبموجب هذا الاتفاق، تواصل القوة المصرية العسكرية ، بذات المهمة الأمنية الخاصة بمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة ، ولحرمان الأمن الفلسطيني لحكومة حماس من السيطرة على ممر فيلادلفيا ،باعتباره أرضاً فلسطينية وجزءاً من قطاع غزة .
ما تقدم يؤكد حقيقة أن فتح معبر رفح أو إغلاقه في إطار اتفاق فيلادلفيا ، لا يتم إلا بالموافقة الإسرائيلية ، وأن مسألة إغلاقه أو فتحه لا يمت للأمن القومي المصري المزعوم وللسيادة المصرية بصلة ، فاتفاق المعبر ، في محصلته اتفاق أمنى استراتيجي مصري إسرائيلي ضد حركات المقاومة في قطاع غزة!
وبعد أن بدأ العدو الصهيوني عدوانه الإجرامي على قطاع غزة إثر معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ، رفضت حكومة العدو إدخال المساعدات الإغاثية للقطاع من معبر كرم أبو سالم وبقية المعابر ، ورضخت الحكومة المصرية لشروط حكومة العدو ،بأن تنتقل الشاحنات التي تنقل المواد الإغاثية الطبية والغذائية عبر معبر رفح ، إلى معبر م كرم أبو سالم” في الشرق على مسافة (10) كيلومتر ،الذي يخضع للسيطرة الإسرائيلية ، ليصار إلى تفتيشها من قبل قوات الاحتلال ، قبل السماح بتفريغها ونقلها بشاحنات أخرى إلى قطاع غزة.
وهكذا أصبح قرار عبور الشاحنات من عدمه إلى القطاع بيد الاحتلال، ولم تكتف الحكومة المصرية بذلك ،بل عملت على تأخير دخول المساعدات الانسانية والغذائية والطبية للقطاع ، مما فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع بشكل قاتل ،على نحو لم يحدث في أي منطقة في العالم إبان الحروب ، ما يعني أن النظام المصري وافق عملياً أن يكون المعبر تحت السيطرة المصرية الإسرائيلية المشتركة.