أخبار الجبهة

من الأسر …الحلقة الحادية عشر

بقلم الأسير المحرر أحمد أبو السعود

صبيحة اليوم التالي تم إخراج الأسرى المنقولين وتجميعهم بمكان للانتظار حتى قدوم البوسطه، وتم تفتيش كل واحد منهم على حده، لكن يرفض الأسرى انزال البنطلون وما تحته، فقط يضع السجان يديه على جيوب الأسير، وهذا جاء نتيجة اتفاق بين الأسرى عبر ممثلي المعتقلين وبين إدارة السجون، وكثيراً ما تجاوزوا هذا الاتفاق بحجة أن هناك أسرى يهربون كبسولات أي رسائل صغيره، وكثيرا ما جرت صدامات وعمليات ضرب متبادلة بين الأسرى والسجانين، لكن بالنهاية الغلبة للسجانين، ولا يهم الأسير أن يتلقى ضرباً المهم لا يسلم بمحاولة تمرير سياسة إدارة السجون التي تهدف إلى المس بكرامته.
بعد تفتيشهم وقدوم عربة البوسطه صعدوا يحمل كل منهم اغراضه، وصاحبنا يحمل أغراضه كذلك، سافرت بهم البوسطه إلى سجن الرمله باعتبار هناك أقسام تسمى (معبار) أي لتوزيع الأسرى على السجون، وينام الأسير يوم أو أكثر حسب موعد قدوم البوسطه من السجن المنقول له، باليوم التالي قدمت بوسطة سجن جنيد ونودي على اسماء المنقولين لجنيد، خرج صديقنا مع زميله وهو أخ من تنظيم فتح، وصعدا الى البوسطه ودارت بهم إلى سجن الخليل ثم إلى سجن رام الله ومن هناك إلى سجن نابلس القديم وأخيراً الى سجن جنيد.
وصلت البوسطه ظهراً تقريباً وتم إنزال من فيها إلى غرفة انتظار، وكانت سياسة سجن جنيد أن يرسلوا كل أسير قادم جديد للسجن إلى الزنازين ليمضي هناك من يومين إلى أسبوع ثم يتم ادخاله للغرفة التي يخصصونها له، بعد أن يتم إنزال الأسرى من البوسطه يتم تسليم ملفاتهم لضابط الأمن أو نائبه وتتم عملية تسليم وتسلم والتوقيع على ذلك، استلموا ملفات الأسيرين، وما هي إلا دقائق حتى بدأت حركة غير طبيعية للسجانين ففي كل لحظه يأتي واحد وينظر إلى الزنزانة المتواجد فيها صديقنا وزميله، ثم سمع صاحبنا كلاماً بالعبري لكنه يتحدث عن العمليات التي نفذتها مجموعة صديقنا في جينين ونابلس وطولكرم واسماء من تمت تصفيتهم،
جاء ضابط صهيوني ومعه ثله من السجانين وأخرج الأسير الأخر وترك صاحبنا لوحده بغرفة الانتظار، أيقن صاحبنا أنه سياكلها مهما تصرف أو لم يتصرف، بعد أقل من ربع ساعه عاد نفس الضابط ومعه خمسه من السجانين فتحوا باب الغرفة وطلبوا منه أن يخلع ملابسه فرفض، قال لهم فتشوا حسب الاتفاق ولن أخلع ملابسي، تناول الضابط الحقيبة وهي عباره عن كيس مفرغ من البطاطا تمت خياطته على شكل حقيبة وبدأ بإخراج ملابسه قطعة قطعة، يرمي القطعة ويدوسها بقدميه ويرمي ثانيه وأخرى حتى ألقى كل أغراضه بأرجاء الغرفة وداسوها بأقدامهم، وشكلوا نصف حلقه من حوله وأخذوا يضيقوا الدائرة وهو يتراجع حتى اصطدم ظهره بالحائط، حينها قال الضابط بالعبري إبدؤا، وهجموا كالوحوش كل يضرب من جانبه وصاحبنا يضرب من تطاله يداه ولكن الكثرة أوقعته على الارض فحالفه الحظ بأن جر أحد السجانين بيديه تحته وضربه على وجهه وهو يتلقى الضرب من الأخرين على كل أنحاء جسده، فسقط جهاز اتصال من أحدهم فالتقطه صاحبنا وأراد أن يهشم وجه الذي تحته فأمسكوا ذراعه ومنعوه من إيصال ضربته للسجان، ولكي يبعدوه عن زميلهم رفعوا مقعداً خشبياً وضربوه فيه على رأسه وفعلاً نجحوا بإبعاده، (الله لا يوريكم قديش تلقى ضرب على وجهه وكل أنحاء جسده ).
استغرقت هذه الجولة حوالي ربع أو ثلث ساعه، تركوه وخرجوا وما هي إلا دقائق ليعاودوا الكره مرة أخرى لكن دفاعاته كانت أقل، ما جعلهم يطرحونه أرضا ويوسعونه ضرباً حتى نزف كل رأسه دماء، استعملوا عصي البلاستيك والخشب وأحذيتهم فكسروا أضلاعه وهشموا وجهه، لم يجد مخرجاً سوى الصراخ والشتائم عليهم، وقد سمع الأسرى بالأقسام صراخه، وعلموا أنه من يتلقى الضرب، حيث كان أوصى زميله الذي رافقه وصعد للأقسام ليخبر الرفاق بأنه سيتعرض للضرب، فتوجه شقيقه الذي كان بنفس السجن إلى أحد الضباط وهدده بالانتقام منه ومن كل من شارك بالاعتداء، كما أن ممثل المعتقل حينها كان (قدوره فارس) رئيس نادي الأسير ومسؤول هيئة شؤون الأسرى حالياً، قد أبلغ الإدارة بأن السجن مغلق وارجعوا وجبات الطعام وأن الأسرى في حالة استنفار قصوى، بعدها صادروا ما صادروه من أغراضه وخاصة ألبوم صوره العائلية، حيث أن الصور العائلية لها اهمية للأسير فحين تنقبض نفسه ويضيق خلقه يلجأ الى صور أولاده وأهله ليخففوا عنه.
طلبوا منه أن يحمل أغراضه وهو بوضع صعب، لكنه جمعها كيفما كان وحملها وسار أمامه أحدهم ومن خلفه بعضهم، ولا يدري من أين يتلقى الضرب فيرى سجانين قادمين ليشاركوا بالضرب وكأنها حفله الكل يريد أن يشارك فيها، وهكذا حتى أوصلوه إلى قسم الزنازين وأدخلوه في واحدة وضربوه بما تيسر لهم من ضربات وهو كما قلنا لم يتمكن من عمل شيء سوى الشتائم التي يكيلها عليهم والصراخ، وهو يعلم أنه إن لم يصرخ فقد يجهزون عليه ويدّعون بأنه انتحر كما حالات كثيره، اقفلوا باب الزنزانة والطاقة التي يدخلون منها الطعام أو ينظرون منها حين يعدونه.
وصلت رسالة الأسرى بالسجن إلى مدير السجن الذي كما ادعى لا يعلم بما حدث وحين أُطلع على ملف صاحبنا طلب من ضباطه أن لا يفتحوا الباب عليه نهاراً إلا بوجود ضابط وبعدم التعرض له وفي مساء كل يوم كان بعد أن يقفلوا باب زنزانته يأخذ المدير معه المفتاح ليضمن ألا يفتح أحد الباب عليه، وفي الصباح يعيده لهم، في النهار كان يتم إلقاء أغراضه ورميها بأرجاء الزنزانة على شكل استفزاز، حتى أنهم في أكثر من ليلة فتحوا عليه الطاقة وهو نائم وألقوا عليه كاسات من الماء، باليوم التالي طلبوه خارج الزنزانة وكان متورم الوجه تكاد عيونه تكون مغلقه من الورم ولا يرى إلا قليلاً، أدخلوه لمكتب فيه ضابط شرطه مدنيه، سأله عن اسمه وذاتيته، وقال له رفع عليك الضابط فلان شكوى بأنك اعتديت عليه وضربته، فردّ عليه قائلاً: انظر إلى وجهي هل أنا من ضربهم أم العكس، وأريد أن أرفع عليهم شكوى، فقال هذا ليس شأني ولا عملي، مهمتي أن اتلقى منك إفادة ليس إلا.
وانتهى الأمر وأعادوه الى الزنزانة ليمكث فيها اسبوعين حتى خفت أثار الضرب، قبل أن تنتهي فترة وجوده بالزنزانة جاءه سجان ليطلب منه الخروج وفعلاً سار وراء السجان حتى مكان عرف أنه غرفة لزيارة الأسرى لذويهم وجلس على مقعد الباطون خلف شبك الزيارة، بعد دقائق دخل شقيقه الذي قدم لزيارته لكن السجان بقي جالس إلى جانبه، فطلب منه الابتعاد لكنه قال هذه أوامر، أريد أن أستمع لكل ما ستقول، سلم على أخيه عن بعد وقال له أنا بخير وسلم على والدتي وكل الأهل وإلى هنا يكفي لا أريد زياره في وضع كهذا، وفعلاً استجاب الشقيق وخرج، وأعيد إلى الزنزانة، بعدها بأيام قليله اعادوه إلى سجن الرمله ومن هناك تم نقله الى عسقلان.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى